د. محمد عباس يكتب

أخلاق العبيد

 

 والقصة سمعتها بأذني من رجل سعودي منذ أربعين عاما.. وهي قصة عاصرها في شبابه ..كان الملك فيصل قد أصدر قانون إلغاء الرق عام 1962 و قبلها بنحو 85 عاما كان قد صدر في مصر قانون مماثل. كان أبواه -وهو بالتالي- من العبيد. ولكم أحسوا بالضياع عند صدور قرار تحريرهم.. قال لي أنهم شعروا أنهم يسقطون في هوة لا قرار لها.. وأنهم اعتبروا الحرية كارثة لا قبل لهم بمواجهتها.. لقد عاشوا عمرهم عبيدا لا يتخذون قرارا.. من حق سيدهم ومولاهم أن يتصرف فيهم كما يشاء وأن يفعل بهم ما يشاء ,ان يعاملهم دون الحيوانات إن شاء.. فإن كان قويم الأخلاق فبها ونعمت وإن كان بلا رحمة مارس استعبادهم بقسوة و انتهك الرجال والنساء مختلف أنواع الانتهاك. قال لي الرجل أنهم بالرغم من هذا كله ذهبوا إلى سيدهم وسفحوا الدمع الهتون بين يديه وهم يتوسلون إليه أن يبقيهم عبيدا ولا يحررهم.. ويا لطيبة قلبه.. لقد استجاب لتوسلاتهم ووافق.. وتم الاتفاق على استمرار عبوديتهم مقابل إطعامهم.. رأيت وضعا مماثلا في مصر.. فعلى الرغم من انتهاء الرق رسميا عام 1877 إلا أن آثاره العملية بقيت حتى ستينيات القرن العشرين حيث رأيتها بأم عيني.. وحيث ظل العبيد يتوسلون إلى سادتهم الاحتفاظ بهم كعبيد وتحايلوا معهم لإخفاء استمرار هذه العلاقة التي بات القانون يجرمها.. هل يفسر ذلك ما يحدث لنا الآن وهل له علاقة بالأمر المذهل الذي نراه ولا نكاد نفهمه أو نسيغه.. لقد عامل الدكتور محمد مرسي الكثيرين معاملة كريمة ورحيمة : الكثيرين ومنهم الكتاب والشرطة والإعلاميين والمسئولين في الدولة.. وكان المتوقع أن يشعروا بامتنان شديد لعهد التحرر من صكوك عبودية العسكر.. لكنهم تمردوا عليه.. وبدا منهم أسوأ ما عملوا.. حتى عاد العسكر يحكمون مرة أخرى.. فإذا بهم يستعيدون كل أخلاق وخضوع العبيد.. وإذا بالضوضاء الهائلة والبلطجة التي أبدوها تجاه الرئيس الذي احترم آدميتهم تنتهي تماما ليكون سقف حريتهم هو بالضبط نعل البيادة.. أي بيادة.. وكل بيادة.. يا عبيد.. بل يا أخس من العبيد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم